كتب : محمد جودة - رئيس التحرير
بالأمس اقترحت مجلة "يسرائيل ديفينس" الصادرة عن الجيش الإسرائيلي في تقرير لها حول قطاع غزة والمشاكل التي تواجهها حكومة تل أبيب بسببه، تسليم إدارة القطاع لمصر، هذه الاقتراحات والأمنيات لدي الإسرائيليين ورؤساء حكوماتهم ليس جديدة حول غزة ، حيث تمني في السابق رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحاق رابين في العام 1992 ، اغراق قطاع غزة في البحر ، حين قال لأعضاء حكومته " انشروا غزة بالمنشار وارموها في عرض البحر" .
يبدو أن الأمل الأساسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل، اسحق رابين، الذي عبر عنه قبل ثلاثة عقود، بأن تغرق غزة في البحر ويتم التخلص منها ، أصبح يشاركه فيه الكثير من الإسرائيليين، فبعد أن تم استبعاد تحقيق هذه الأمنية الإسرائيلية رغم كل ما حل بقطاع غزة من عدوان وجرائم ارتكبتها آلة الحرب والدمار الإسرائيلية ، بقيت غزة تكابر شامخة في وجه الاحتلال ولم ترفع الراية البيضاء أو تستكين ، الأمر الذي جعل من فكرة التخلص منها كابوس يؤرق حكومات إسرائيل علي الدوام .
إن الرغبة الإسرائيلية تجاه غزة وإسكاتها لازالت قائمة وستظل كذلك لطالما بقيت إسرائيل تحتل الأرض الفلسطينية وتمارس كل أدوات القمع والقتل بحق الفلسطينيين وتصادر أراضيهم وممتلكاتهم ومواردهم ، وتستبيح حرماتهم ومقدساتهم وتسلب حريتهم وتتنكر لحقوقهم في إقامة دولتهم الفلسطينية علي حدود الرابع من حزيران من العام 1967 ، وعاصمتها القدس الشرقية .
ولأن غزة لم ولن يبتلعها البحر ، تبددت أحلام رابين كدخان عابر ، و سقط الحلم الإسرائيلي وصمدت غزة بأوجاعها ومعاناة شعبها في وجه الغزاة والمحتلين ، وبدل أن تغرق غزة نجدها تطفو في كل مرة من جديد ، ولذك نسمع بين الفينة والأخرى ، عن أمنيات واقتراحات إسرائيلية للخلاص من غزة ، ولكن هذه المرة بتسليم إدارتها لمصر.
لاشك أن المقترح الإسرائيلي بتسليم إدارة غزة لجمهورية مصر ليس غريباً علي العقلية التي تحكم إسرائيل ، التي تريد بكل السبل الخلاص من كابوس غزة ، لكن ما لا يفهمه الإسرائيليون أن الفلسطينيون والمصريون لن يقبلوا مطلقاً بهذا المقترح الساذج والسخيف ، فلا الشعب الفلسطيني يقبل بالتنازل والتفريط بحقوقه المشروعة علي هذه الأرض ، والمضي في طريق التحرير والعودة والاستقلال وإقامة الدولة كاملة السيادة علي أرضه، ولا الأشقاء في جمهورية مصر العربية شعباً وقيادة يقبلون بالوصاية علي قطاع غزة وتفريط شعبه بحقوقه أو التنازل عنها بأي شكل من الأشكال ، فهم علي الدوام يساندون الشعب الفلسطيني في نضاله ومسيرته الوطنية ونيل حقوقه المشروعة .
فمصر وبعيدا عن العواطف والشعارات كانت وما زالت صمام الأمان للشعب الفلسطيني في محنته وهي الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية وتقف إلي جانبه في دعم وتعزيز صموده لتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي الغاصب ، واستعادة كامل حقوقه .
ختاما يجب التأكيد أمام هذا الواقع وهذه الحقيقة بأن أحلام وأمنيات ومقترحات الاحتلال، لن تجد لها نافذة للتعاطي معها أو القبول بها فلسطينيا ومصرياً ، وأن علي الاحتلال الإسرائيلي أن يعرف أن الأجيال الفلسطينية المتعاقبة لن ترفع الراية ولن تتنازل عن شبر واحد من أرضها المحتلة ، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يحل بالوسائل العسكرية مهما بلغت واشتدت قوتها وأن الصراع لا يمكن حله إلا بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية والسياسة للشعب الفلسطيني ، وتنفيذ كافة القرارات والمعاهدات التي أقرتها الشرعية الدولية لصالح الشعب الفلسطيني ، وفي مقدمة ذلك حقه في تقرير مصيره واقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمته القدس الشريف.